السبت، 10 مارس 2007

‏«ليس للشيعة مشروع سياسي ولا يشكلون خطراً في لبنان على احد الا على اسرائيل وهذا ‏ذنبهم»‏
العلامة فضل الله لـ «الديار» : البعض يضخّم حجمه ليثير الناس مذهبياً وفئات لا تمت الى ‏الإسلام بصلة تعمل للفتنة
الفريق الاميركي يخلق التعقيدات والكثير من اللبنانيين يدافعون عن اسرائيل اكثر مما ‏يدافعون عن لبنان








حديث تناول شؤون وهموم المنطقة العربية والاسلامية مع العلامة المرجع آية الله السيد محمد ‏حسين فضل الله. فانبرى السيد يقدم المعطيات ويحللها وفق السياق المنطقي الموضوعي المتلائم مع ‏الشرع ومع الذهنية الاسلامية والوطنية التي طالما تحدث عنها «السيد المرجع»، الا ان الظروف ‏المحيطة بالمنطقة كبيرة وخطيرة، تتعلق بالعلاقات الاسلامية بين السنة والشيعة، والعلاقات ‏العربية - الايرانية والعلاقات العربية -العربية، كما كان للشأن الداخلي اللبناني ‏وارتباطه بازمة المنطقة، وملفها رؤية واضحة، تحدث بها «السيد» وحيث لم ينفك يشير الى ‏المخطط الاميركي - الصهيوني والمخابرات المركزية الاميركية والموساد هذا المخطط المشروع. الذي ‏يريد ضرب المسلمين ببعضهم البعض.‏
العلامة المرجع السيد فضل الله مسك من عنق المشروع الاميركي الصهيوني وتحدث عنه طالباً من ‏العلماء والمواقع السياسية والفكرية في العالم العربي الانتباه للفتنة التي يريدون ‏ادخالهم في نارها مشيراً الى الحديث القائم في لبنان عن الفيدرالية والتقسيم، ليمتد الى ‏فيدرالية في العراق وتقسيم للسعودية.‏
ولاحظ «العلامة السيد» ان الادارة الاميركية تحاول تحشيد العرب ضد ايران تحت عنوان التمدد ‏الشيعي او القومية العربية مقابل القومية الفارسية، فيما تسعى ايران لعلاقات وثيقة ‏مع العالم العربي. فيما الولايات المتحدة الاميركية تعمل للسيطرة على العالم العربي ‏والاسلامي لمصادرة ثرواته ومواقعه الاستراتيجية والسياسية والامنية، وهي اطلقت الفوضى ‏وتعمل على التركيز على الدوائر بين المسلمين السنة والشيعة، لذا فان المخابرات الاميركية ‏والاسرائيلية تتحرك في محاولة لخلق فتنة بين السنة والشيعة، كما هي الحال في العراق وقد ‏تمدد عملاء اميركا في العالم العربي ليسوقوا لهذا النهج في العراق فيما نحن لدينا معطيات ‏مؤكدة ان هناك مقاومة شيعية للاحتلال الاميركي في العراق. كما المقاومة لدى السنة.‏
ويشير العلامة فضل الله الى حالة الخوف التي تحاول المخابرات تعميمها حول عملية تشييع السنة ‏والسيطرة عليهم مستغرباً ان تغرق بعض المواقع ممن كنا نعتقدها وحدوية في المنزلق الاميركي، ‏فيما يتحدثون انهم يعارضون السياسة الاميركية. وقال بعض الاشخاص الذين يريدون تضخيم ‏زعامتهم يوحون لبعض المواقع الاسلامية انهم هم الحماية لهذه المواقع السنية وامتيازاتهم ضد ‏الشيعة. وهذا وهم، ذلك ان ليس الشيعة من يرثون المواقع السنية، فالموقع الرسمي السني لا ‏يُستبدل بشيعي، لذلك بعض الزعامات تحاول ان تضخم مواقعها في لبنان بهدف الاثارة المذهبية ‏لتتمكن من استخدام الناس غرائزياً.‏
السيد فضل الله اكد ان ليس للشيعة في لبنان او العالم العربي مشروع سياسي خاص ولا يبحثون ‏عن شيعية في العراق او لبنان، او اي دولة خليجية، بل هم يطالبون بالمواطنة ليتساووا ‏مع اخوانهم في اوطانهم، لذا فالحديث عن هلال شيعي هو وهم. اما في لبنان فالشيعة لا يشكلون ‏خطراً على اي طائفة وخاصة الطائفة الاسلامية، لكنهم يشكلون خطراً على اسرائيل ولعل هذا ‏هو السبب لما يواجهونه خصوصاً بعد انتصار تموز حيث هناك الكثيرون من اللبنانيين الذين ‏يدافعون عن اسرائيل اكثر مما يدافعون عن لبنان، فيما نلاحظ ان البعض يركز على الجانب ‏المأساوي لعدوان تموز ولا يتحدث عن الانتصار بل ينكرونه، ومن المضحك المبكي ان تكون ‏اسرائيل اعترفت بهزيمتها فيما الكثيرون في لبنان ينكرون على المقاومة انتصارها.‏
المرجع السيد فضل الله قال هناك جهات في لبنان ليست من المسلمين من قريب او بعيد تحرك ‏المذهبية بين السنة والشيعة لتستفيد في مواقعها وتتفادى اية مشاكل داخل طائفتها. كما ‏ان بعض الزعامات الاسلامية في لبنان تحاول تضخيم مواقعها من خلال الايحاء للمسلمين السنة ‏بانها تمثل الحماية لهم ضد الشيعة والشيعة ليسوا خطراً سوى على اسرائيل وحدها.‏
العلامة فضل الله رأى ان اليهود اخلص ليهوديتهم من الكثيرين من العرب واخلاصهم لعروبتهم ‏واسلامهم وان بعض هؤلاء وصلوا الى حالة من الضعف تريد من خلالها اسرائيل اسقاط ورقة ‏التوت عنهم وهم يلهثون وراء سلام اسرائيل. مشيراً الى ان الجامعة العربية باتت لا تملك ‏لنفسها ولا للعرب ضراً ولا نفعاً وان اسرائيل هي الدولة التي لا تريد السلام العادل بل ‏تريد من الانظمة العربية تقديم التنازلات حتى ورقة التوت، داعياً الامة للافتخار بانجاز ‏المقاومة في لبنان والى وعي مخاطر المشروع الاميركي - الصهيوني الهادف لضرب المسلمين ببعضهم ‏البعض...‏
حديث شامل حول قضايا لبنان والعالمين العربي والاسلامي ومخاطر الفتنة الطائفية اجرته ‏‏«الديار» مع العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله في منزله في حارة حريك وسط الدمار ‏الذي خلفته آلة العدوان الاميركي - الاسرائيلي خلال عدوان تموز على المقاومة وشعبها. ‏


وهنا الحوار:‏


‏ حاوره: ياسر الحريري





‏* نراقب جميعا تطور الاوضاع في لبنان والمنطقة، من اي زاوية ترى ان الحلول الاقليمية ‏قادرة على ان تثبت حلاً ما في لبنان؟
‏- للازمة اللبنانية ثلاث دوائر: الدائرة الاولى هي المحلية التي تمثل ما يسمى بالمعارضة ‏والموالاة، وهي التي تحاول ان تحرك المسألة في اطار خطين، خط حكومة الوحدة الوطنية وخط ‏المحكمة ذات الطابع الدولي التي يفكر كل فريق بالسلبيات والايجابيات التي تضخم موقعه، او ‏تصل به الى اهدافه او الى مواقع الامن السياسي لديه.‏
الدائرة الثانية هي الدائرة الاقليمية التي قد تجد في الساحة اللبنانية بعض الآفاق في ‏صراعاتها الدولية وهذا ما يتمثل في اكثر من موقع عربي منفتح على سوريا وايران في كل ‏التعقيدات التي تتحرك في الاطار العربي والاقليمي من خلال الطروحات التي يتداولها الواقع ‏السياسي في القومية العربية والقومية الفارسية والمذهبية السنية والشيعية والتطرف ‏والاعتدال. هذه هي التي يحاول كل فريق ان يطرح خطوطه التي تتصل بالقضايا الحيوية التي ‏يديرها في حركته في المنطقة، من خلال مشاريعه الخاصة ومن خلال امنه السياسي والامني.‏
الدائرة الثالثة التي تقودها الولايات المتحدة الاميركية التي عملت لتستفيد من موقعها ‏الضاغط لإصدار اكثر من قرار دولي او اممي لينفتح على الواقع اللبناني، وهو القرار 1559 ‏وما بعده من القرارات التي أريد لها ان تحرك المسألة اللبنانية لمصالح المشاريع الاميركية في ‏الضغط على المقاومة من جهة وفي توظيف الاوضاع الطائفية اللبنانية في المشاريع السياسية ‏الاميركية والى جانب ذلك دخلت فرنسا على الخط باعتبار علاقاتها التاريخية في لبنان. والتي ‏تعتبر الساحة اللبنانية ساحة تقليدية لنفوذها السياسي ومن الطبيعي ان تتحرك الخطوط ‏الاوروبية مع الخط الاميركي، من خلال العلاقات العضوية، بين الاتحاد الاوروبي واميركا وفرنسا ‏من جهة ثانية، مع دائرة واسعة وهي الدائرة الاسرائيلية، التي تحولت الى دائرة تنفذ الى ‏اكثر المواقع الدولية العالمية والتي دأبت منذ الحرب الاسرائيلية ضد لبنان والى تأييد ‏اسرائيل بشكل مطلق في هذا المجال، ونحن نعرف ان القرار 1701 لم ينطلق لخدمة لبنان، بل ‏انطلق لخدمة اسرائيل وهذا ما نعرفه من خلال ان احد بنوده وهو وقف اطلاق النار لم يطبق ‏حتى الآن. ولا يزال الواقع اللبناني في مواجهة اسرائيل لا يملك فيه اللبنانيون وقف اطلاق ‏النار، بل هناك وقف للعمليات الاسرائيلية ومما يفسح المجال لأي عمل عسكري مستقبلي على ‏اساس ان المسألة لا تزال مفتوحة للصراع اللبناني - الاسرائيلي.‏
من خلال هذه الدوائر نعرف ان لبنان يمثل الساحة التي تتجاذبها الأوضاع الدولية والاقليمية ‏وتستفيد من المفردات المحلية التي يحاول فيها كل زعيم او حزب او طائفة على ما يمكن الحصول ‏عليه من الخط الدولي او الخط الاقليمي هنا او هناك ولذا أصبحت المسألة ان نجد ان كل ‏التصريحات والتعليقات والتحليلات تمثل الصدى لما يحدث اقليميا، المنفتح على الواقع الدولي، ‏لذا تتصور ان الساحة اللبنانية هي الساحة التي تتحرك العواصف فيها من كل اتجاه من دون ‏اي حالة من حالة الاستقرار، حتى اننا عندما نواجه حالة ايجابية في مرحلة لا تلبث أن ‏تتحول الى حالة سلبية من خلال تصريح هنا او تصريح هناك حتى في الدائرة التي ينفتح فيها ‏الناس على الأمل، نحن امام ما أثير من حالة التفاؤل في اجتماع القمة بين ايران ‏والسعودية، نجد ان وزير الخارجية السعودية سعود الفصيل يتحدث بأن الأزمة في لبنان ما ‏تزال تراوح مكانها، كأنه يقول لجميع الافرقاء اللبنانيين لا تتفاءلوا كثيراً لانه ليس هناك ‏اية خطوط يمكن ان تصل بكم الى الحل.‏
‏* طرحت عناوين كثيرة ولو اخذت نقطة نقطة ومنها ان السعودية بكلامها تقول ان الحل ليس ‏عربياً هل توافقني الرأي؟
‏- عندما ندرس الذي يدير المسألة اللبنانية بالكامل، من خلال خلق تعقيدات متنوعة لخدمة ‏مشاريعه هو الفريق الاميركي، الذي رأى ان لبنان الذي يملك وحده في المنطقة العربية، ‏الحرية المتمثلة في حرية الفكر والعمل السياسي والاعلام الى جانب النظام الطائفي الذي ‏تنفتح فيه كل طائفة على الخارج لتستقوي به، ولتستخدم مشاريعها من خلال علاقته بمشاريع ‏الخارج وعندما نفهم ان القضية تنطلق من خلال العقدة الاميركية، التي نتابعها من خلال ‏الموفدين الاميركيين ومن خلال تصريحات الرئيس الاميركي ونائبه ووزيرة خارجيته في الشؤون ‏اللبنانية الداخلية كما لو كان فريقاً داخلياً لبنانياً يحاول أن يحرك المفردات اللبنانية ‏الصغيرة لتحريك الواقع اللبناني.‏
عندما نفهم أن اميركا تسيطر على أكثر الواقع العربي وخصوصاً الواقع الذي يتحدث فيه ‏الناس في لبنان بأنه يملك فرصة المبادرة للحل هنا وهناك من خلال حركة السفراء التي تتجول ‏بين السياسيين اللبنانيين في الوقت الذي يصرح فيه هذا السفير أو ذاك أن ليس هناك مبادرة ‏سعودية وليست هناك مبادرة مصرية. نعرف حينها ان المسألة ليست عربية كما انها ليست ‏محلية لأن القيادة بيد السيد الاميركي الذي يملك كل ادوات الضغط على الواقع العربي والمحلي ‏من خلال فريقه المحلي في لبنان.‏




اميركا تمثل الاستكبار... المقاومة

‏* هل يمكن القول ان الشيعة في لبنان والعالم العربي يواجهون المشروع الاميركي والجزء ‏الثاني من سؤالي اسألكم كمرجع وفقيه هل هناك مشكلة عقائدية بالمعنى العقائدي مع ‏الاميركيين؟
ـ نحن لا نتحدث كشيعة بالمعنى المذهبي الضيّق نحن نتحدث كمسلمين ونعتبر أن الاسلام يرفض من ‏المسلم ان يعطي بيده إعطاء الذليل او يقرّ اقرار العبيد، لأن الله جعل العزّة لنفسه ‏ولرسوله وللمؤمنين وقد ورد في حديث الامام جعفر الصادق (ع) (ان الله فوّض الى المؤمن اموره ‏كلها ولم يفوّض إليه أن يكون ذليلاً) وفي ضوء هذا فإن الخط الاسلامي في خط أهل البيت عليهم ‏السلام وهو الخط الاسلامي الأصيل ينفتح على قضية العزّة من خلال حركتها في مسألة الحرية التي ‏لا بدّ لكل انسان من ان يلتزمها في تفكيره وفي حركته ونحن نروي عن الامام علي (لا تكن عبد ‏غيرك وقد جعلك الله حراً) لذلك فإن الخط الاسلامي يفرض على الانسان ان يقف ضد الاستكبار ‏العالمي ولا سيما المتمثل الآن في الولايات المتحدة الاميركية التي تخطط وتتحرك للسيطرة على ‏العالم كله لمصادرة ثرواته ومواقعه الاستراتيجية والسياسية والأمنية ولذلك فقد تحركت ‏الخطوط السياسية الاميركية ضد المقاومة الاسلامية المتمثلة بالمقاومة اللبنانية التي يغلب ‏عليها العنصر الاسلامي الشيعي واذا كانت حاولت ان تخدع المسلمين الشيعة في العراق بأنها ‏جاءت لتحررهم من سيطرة الطاغية. فإنها استغلت ظروفهم المأساوية والخاصة لتمارس هذه ‏الخديعة لكننا نعرف ان الرأي العام الاسلامي في العراق سواء كان سنياً أو شيعياً يرفض ‏الاحتلال ولذلك نعرف الآن ان هناك مقاومة في الوسط الشيعي ضد الاحتلال كما هي مقاومة في ‏الوسط السني ضد الاحتلال.‏



المخابرات الاميركية والصهيونية وراء الفتنة

‏* ترددون دائماً ان المشروع الاميركي ـ الصهيوني يريد الفتنة بين المسلمين؟
ـ نحن نعتبر ان اميركا التي اطلقت من خلال رئيسها الفوضى في العالم العربي والاسلامي وذلك ‏بالتركيز على الدوائر التي ترتكز على الاحساس والشعور وخصوصاً في الاوضاع الحادة التي عاشها ‏المسلمون في التاريخ والتي يحاول التخلف في اكثر من موقع اسلامي ان يثيرها وان يطورها ‏بطريقة او بأخرى ومن اجل استعادة التاريخ للواقع حتى يبتعد الناس عن ازالة الواقع ‏بالهرب الى التاريخ ليعيشوا هروب التاريخ واحقاده وتعقيداته وهذا ما لاحظناه في المسألة ‏المذهبية بين السنة والشيعة، والتي كانت تخفي في مرحلة، وتظهر في مرحلة اخرى، فقد حاولت ‏المخابرات الاميركية والصهيونية ان تحرك الظروف من اجل خلق فتنة سنية ــ شيعية، كما هي ‏الحال في العراق، عندما حاولت ان تثير في نفوس الطائفة السنية بان الشيعة جاؤوا من اجل ‏ان يتسلموا الحكم في العراق ضد السنة، وان ذلك ربما يؤدي الى نتائج سلبية على الواقع ‏الاسلامي السني في هذا المجال ومن الطبيعي في هذا المعنى انتشار عملاء اميركا في العالم العربي ‏والاسلامي، باعتبار ان الاحداث في العراق اوجدت نوعا من انواع الحساسية المذهبية التي طرحت ‏فيها الكثير من العناوين بأن الشيعة يريدون ان يصادروا السنة وان يقوموا بعملية ‏تشييع السنة وانهم يريدون السيطرة على العالم السني وما الى ذلك مما تحدث به بعض الناس، ‏الذين كنا نتصور انهم وحدويون، لكنهم رجعوا الى قواعدهم المذهبية ــ الطائفية بشكل ‏مظلم، دون ان يلتفتوا، وهم يقولون عن انفسهم انهم يعارضون السياسة الاميركية، انهم ‏يخدمون السياسة الاميركية في هذا المجال.‏



بعض الاشخاص ضخموا زعماتهم

نحن نعتقد ان الدماء التي تسيل في العراق تحت عنوانين مذهبية وطائفية، وان المسألة التي ‏تحرك في الواقع السياسي ان هناك حربا اهلية او حربا طائفية، بدأت تعطي اكلها في العالم ‏الاسلامي وبشكل عام ولا سيما ان بعض الاشخاص الذين ارادوا ان يضخموا زعماتهم وان يوحوا ‏لبعض المواقع الاسلامية، بأنهم هم الذين يمثلون حماية هذه المواقع فأثاروا المسألة المذهبية ‏السنية ــ الشيعية ليقولوا انهم الذين يحمون مواقع السنة وامتيازاتهم ضد الهجمة ‏الشيعية، ومع ان هذا كلام يتحرك في خط الوهم لان الشيعة، ليسوا هم يرثون المواقع السنية ‏كما ان الموقع السني الرسمي لا يعني ان الحكومة سنية، بل هي حكومة ائتلافية، كما ان ‏المعارضة ائتلافية، وكذلك الموالاة لذلك لو فرضنا انه سقط رئيس الحكومة السني تحت تأثير ‏الدعوات لاسقاطه فلن يأتي رئيس شيعي مكانه، بل سيأتي رئيس سني، ولكن بعض الزعامات ‏تحاول ان تضخم مواقعها بعملية الاثارة الغرائزية المذهبية حتى يلتف الناس حولها في عملية ‏حادة يمكن استخدامها من قبل هؤلاء الناس، ولكن قبل حلفائهم الذين يخططون لان يضرب ‏المسلمون بعضهم ببعض، ليبقوا هم على التل يتفرجون على الدماء التي تسيل، ولقد لاحظنا ‏ذلك فيما حدث يوم الثلاثاء ويوم الخميس في لبنان.‏



ليس للشيعة مشروع سياسي خاص

‏* تقولون انتم وغيركم ليس للشيعة مشروع خاص في لبنان ولا غير لبنان، لكن وجدنا انه في ‏مؤتمر «اسلام اباد» دول اسلامية من مذاهب معينة تتحدث وتحذر من التمدد الشيعي والشيعية ‏السياسية؟
‏- نحن نقول انه لم يحدث ولن يحدث ان يكون للشيعة مشروع سياسي خاص بحيث يبحثون في العراق ‏عن دولة شيعية، او يبحثون في لبنان عن كانتون شيعي او يبحثون في اي موقع خليجي سواء في ‏البحرين وحيث هناك اكثرية شيعية، او في اي موقع عن مشروع شيعي خاص.‏
ان المسلمين الشيعة عاشوا في مدى التاريخ تحت تأثير الاضطهاد ولذلك فهم يطالبون بأن ‏يعيشوا في الدول التي يتواجدون فيها، على اساس المساواة مع اخوانهم المواطنين من خلال ‏المواطنية التي تسري بين المواطنين، ولذلك فإن اثارة المسألة على اساس وجود هلال شيعي كما ‏تحدث به بعض المسؤولين العرب، هذا تحريك لامر لا واقع له، بل هو يدخل في نطاق الوهم، لان لا ‏واقعية له في هذا المجال، وربما اثيرت مسألة اجتماع الدول السبع التي يغلب عليها الطابع ‏السني بأنها تتحرك من اجل جبهة سنية في مواجهة ايران ولذلك لم تدعَ ايران ولم تدعَ سوريا ‏بإعتبار انهم يحاولون ان يعطوا ايران عنوان الحركة الشيعية التي يمكن ان تؤثر تأثيرا ‏سلبيا على الواقع الاسلامي السني، في الوقت الذي يعرف الجميع بأن العقدة التي توجّه الآن ‏اميركيا ضد ايران، وتحاول تعبئة بعض الدول العربية انها مسألة سياسية، وليس لها اي دور ‏في المسألة المذهبية من قريب او بعيد. لذلك نعتقد ان المسألة تمثل الفوضى التي تريد ان ‏تحركها المخابرات المركزية الاميركية لتتحد كل الاوراق ولتشغل المسلمين بعضهم ببعض. حتى لا ‏يتحركوا في خطة وحدوية تواجه خطط الصهيوينة والاستكبار العالمي الذي هو ضد كل العالمين ‏العربي والاسلامي.‏
‏* الا ترون ان هناك مسؤولية مباشرة على العلماء والمسؤولين في عدم الوقوف بوجه هذه ‏الفتنة؟
‏- نحن نعتقد ان هناك مسؤولية مباشرة على علماء المسلمين من السنة والشيعة؟ وعلى ‏المفكرين والمثقفين وعلى المواقع السياسية في العالم الاسلامي، لأن تتنبه لهذا الخطر الكبير ‏الذي يريدون من خلاله اسقاط الواقع العربي والاسلامي، تحت تأثير الهيمنة الاميركية المطلقة، ‏التي تحاول ان تتدخل في مفاصل العالمين العربي والاسلامي تحت اكثر من عنوان وهذا ما نلاحظه في ‏عنوان الحرب على الارهاب الذي استخدمته اميركا بعد 11 ايلول لتنفذ الى الواقع الاسلامي ‏والعربي لتبعث فيه ولتسيطر عليه ولتقمع كل سياسة معارضة للسياسة الاميركية.‏



العلاقات الايرانية ـ العربية

‏* في كل مكان ما، خلال الحديث ذكرت انه تحت عنوان القومية العربية يحاولون استشارة ‏الشارع الاسلامي؟
‏- هم يتحدثون عن العروبة، تماما كما فعلوا عند الحرب العراقية - الايرانية، من اجل ‏تجميع العالم العربي ضد ايران وعلى اساس ان القومية الفارسية والتي تمثل الباب الشرقي ‏للمنطقة العربية وتريد السيطرة عليها، انهم يحاولون ان يتحدثوا الان عن ان هناك خطرا ‏فارسيا يتمثل في حركة ايران ضد الواقع العربي، ولكن هذا ليس له اية واقعية.‏
نحن نعرف ان ايران تحاول بكل جهدها ان توثّق علاقاتها السياسية والامنية بالعالم العربي، ‏وهذا ما نلاحظه في العلاقات الايرانية - الخليجية، وكما نلاحظ في الزيارات التي يقوم بها ‏المسؤولون الايرانيون الى مصر والسودان هذا بالاضافة الى ان ايران تدعم المقاومة ‏الفلسطينية من كل ما لديها من دعم مادي ومعنوي وسياسي، مما يعني ان ايران لا تمثل اي ‏خطورة على العالم العربي، بل يريدون من العالم العربي ان يمثل الخطورة على ايران، وذلك ‏من خلال ما طرحته وزيرة الخارجية الاميركية، في اجتماعها مع ثماني دول عربية وهي دول ‏الخليج زائد مصر والاردن سواء في اللقاء في مصر او الكويت او في الاجتماعات الامنية التي ‏تضم المسؤولين عن الامن في اكثر من دولة عربية بالاضافة الى اسرائيل، ومنها تمثل ايجاد خطة ‏متعددة المواقع، من اجل الضغط على ايران ولمساعدة اميركا في الحرب ضد ايران.‏
لو فرضنا ان اميركا تخطط لهذه الحرب في الوقت الذي نعرف ان هناك حربا اعلامية - سياسية ‏واقتصادية ضد ايران ومن الممكن ان تتحول الى حرب حارة ولذلك فإننا عندما ندرس الواقع ‏السياسي فإننا نجد ان هناك خطة اميركية لايجاد خطر عربي على ايران، بدل ان تكون ايران ‏خطرا فارسيا على العالم العربي.‏
‏* عملانيا، القضية هنا هي قضية «شيعي - سني»؟
‏- ومن الطبيعي استخدام العنصر السني - الشيعي في هذه المعركة.‏



كثيرون في لبنان يدافعون عن اسرائيل

‏* بهذا المعنى الا ترى في لبنان ان بعض المواقع تستفيد من هذا التحشيد المذهبي والطائفي؟
‏- هناك جهات في لبنان ليست من المسلمين من قريب او بعيدتحرك المسألة المذهبية بين السنة ‏والشيعة لتستفيد من ذلك في مواقعها الخاصة ولتتفادى أية مشكلة طائفية داخل طوائفها. ‏كما ان بعض الزعامات الاسلامية تحاول تضخيم مواقعها من خلال محاولة الإيحاء للمسلمين السنة ‏بأنها هي التي تمثل عنصر الحماية ضد الشيعة. ونحن نعرف ان الشيعة في لبنان لم يكونوا في ‏تاريخهم ولا في الواقع الحاضر ولا في المستقبل خطرا على اي طائفة لا سيما الطائفة الاسلامية في ‏لبنان.‏
بل هم خطر على اسرائيل وحدها ولعل كل هذه الإثارة التي تتحرك انها تحرك كثيرين من ‏اللبنانيين يدافعون عن اسرائيل اكثر مما يدافعون عن لبنان ولذلك فإنهم حاولوا تعقيد ‏الاوضاع اللبنانية ضد المقاومة لأن ذنبها وجريمتها الكبيرة انها قاومت اسرائيل وانتصرت ‏على اسرائيل ونحن نعرف ان هناك كثيرا من الاصوات التي تؤكد على جانب المأساة في العدوان ‏الصهيوني على لبنان ولا تؤكد على جانب الانتصار الذي استطاعت الأمة ان تحصل عليه، من ‏خلال انتصارات المقاومة الاسلامية.‏
ومن المضحك المبكي ان الاسرائيليين يتحدثون عن هزيمتهم ويتحدثون عن المشاكل التي حدثت لهم في ‏حربهم مع المقاومة، ولكن الكثيرين من اللبنانيين ينكرون انتصار المقاومة وينكرون الموقف ‏العنفواني الذي استطاعت المقاومة ان تحققه للبنان وللعالم العربي والاسلامي.‏
نلاحظ اننا وصلنا الى وقت في العالم العربي والاسلامي ليقول العديد ان هناك طوائف هي ضد ‏مشروع السلام وطوائف هي مع مشروع السلام و«الاعتدال»؟



التنازلات حتى ورقة التوت

‏* ولماذا الشيعة يحملون السلاح؟
‏- نحن نقول ان الدولة التي لا تريد السلام هي اسرائيل وان الذين يتحدثون عن السلام في ‏الواقع العربي يلهثون وراء اسرائيل لتتصدق عليهم بسلام. اي سلام حتى لو كان ذليلا لا ‏يعطي الفلسطينيين الا النذر القليل من حقوقهم. وعندما ندرس الطروحات التي طرحت على ‏مؤتمر وزراء الخارجية العرب من خلال اسرائيل، فإن اسرائيل انطلقت عبر بعض الذين صالحوها ‏من العرب.‏
او بعض الذين يؤيدونها من العرب تحت الطاولة، طرحت ان تقوم القمة العربية بالاستغناء ‏عن عودة اللاجئين الفلسطينيين وايضا عن مسألة القدس وغيرها. اسرائيل تريد من العرب او ‏يقدموا التنازلات حتى «ورقة التوت» ‏
ونحن نجد ان الضعف الذي اصاب العالم العربي، بحيث فقد العالم العربي عنوانه الذي يجمع ‏الدول العربية وشعوبها، ولولا مؤسسة الجامعة العربية التي لا تملك لنفسها ولا للعرب ضراً ولا ‏نفعاً. ان الدولة التي لا تريد السلام العادل هي اسرائيل، وهي لم تتقبل المبادرة العربية ‏للسلام التي اطلقت في بيروت، بل انها رفضتها كما ان اميركا رفضتها آنذاك، واعتبرتها ‏مجرّدمبادرة تصلح للمفاوضة. لذا نعتقد ان اسرائيل لاتريد السلام كما هي الحقوق العربية ‏لانهم مخلصون ليهوديتهم لا مخلصون لكل طروحاتهم في ان فلسطين كلها ارض الميعاد، التي لا بدّ لها ‏ان تحتضن كل يهود العالم. ولذلك فان الذين يعارضون السلام مع اسرائيل هم ينطلقون من ‏الاصالة العربية والاسلامية التي تمنع اية جهة من ان تسيطر على الارض العربية وشعوبها. ‏انني اعتقد ان اسرائيل اكثر اخلاصاً لاستراتيجيتها من اخلاص كثيرين من العرب لقوميتهم ‏ولاسلامهم ولكرامتهم وعزتهم في المسألة الفلسطينية والتي بدأت تمتد من الناحية السياسية ‏لاسقاط الواقع العربي تحت تأثير الضربة الاميركية التي قد تكون قاضية في نهاية المطاف.‏
‏ * تحاول الادارة الاميركية في لبنان دخول الطائفة الشيعية عبر ادوات او عبر مشاريع خاصة، ‏الا ترى ان هناك محاولات لضرب الطائفة الشيعية من الداخل؟
‏- نحن نعتقد ان الطائفة الاسلامية الشيعية التي تقف مع مبادئها الاسلامية والعربية ‏استطاعت ان تثبت ضد كل هذا الزلزال السياسي الاميركي، وكل خطوط الفتنة في هذا المجال، ‏وان بعض الاصوات الناشزة هنا او هناك، هي اصوات تضيع في الهواء، امام كل المواقف ‏التحريرية التي تؤكد اننا ما نزال مع شعار الامام الحسين (لا والله لا اعطيكم يدي اعطاء ‏الذليل ولا اقرّ لكم اقرار العبيدِ) نحن نعتقد ان عاشوراء تنطلق في كل سنة، من اجل ان ‏نجدد معنى الحرية والكرامة للذين يلتزمونها، التزاماً تحريرياً، لا مجرّد التزام مذهبي.‏
‏* بعد هذه الجولة الا ترون ان هناك انقساماً وتسابقاً بين التسوية والحرب؟
‏- قلنا ان المنطقة ما تزال تحت تأثير العفريت الاميركي والجني الاسرائيلي وهما يخططان على ‏اساس تحالفهما الاستراتيجي لبعثرة المنطقة واسقاطها ومصادرة كل ثرواتها واستغلال كل ‏مواقعها ولحق كل الاوراق حتى تتحول المنطقة الى فرق سياسية متنافرة حتى لو بقي كل بلد على ‏وحدته هذا في الوقت الذي نلمح فيه بعض الخطوط عن ان هناك حديثا عن فيدرالية قد تتحول ‏الى تقسيم وقد سمعنا مؤخرا في لبنان لبعض الذين يتحدثون عن الفيدرالية الطوائفية في ‏لبنان وهناك من يتحدث عن الفيدرالية في العراق وهناك من يتحدث عن تقسيم المنطقة حتى ان ‏البعض يتحدث عن تقسيم السعودية وايران وما الى ذلك.‏


العلامة فضل الله (تصوير رمزي الحاج)‏

الخميس، 8 مارس 2007



أم كلثوم.. صوت عربي تنافست عليه أميركا وروسيا..
لم تكن أم كلثوم سيدة الغناء العربي فحسب، بل صوت وتراث فني تحول إلى رمز سياسي يتم استرضاؤه حتى تميل السياسة المصرية والعربية ومن ثم الشعوب العربية نحو اتجاه معين وتثير الغيرة بين دول كبرى، ولم يأت تفكير الحكومة الأميركية من فراغ عندما أوفدت الأدميرال بروف كبير الأطباء في مستشفى البحرية الأميركية إلى مصر لدعوة السيدة أم كلثوم للعلاج على نفقة الحكومة الأميركية في بداية ظهور مرضها عام 1952.
وبالفعل سافرت لتبدأ رحلة علاجها، مما أثار غيرة الاتحاد السوفياتي طيلة 6 سنوات حتى جاء عام 1958 ومعه دعوة للزيارة والفحص الطبي بالعاصمة موسكو، مما يؤكد أن كوكب الشرق رمز عربي مؤثر في حياة الحكومات والشعوب العربية، وجعلها تشارك بصوتها في دعم المجهود الحربي المصري والعربي عندما سافرت لباريس عام 1967 بعد النكسة وغنت على مسرح الأولمبيا أمام الرئيس الفرنسي شارل ديغول، وأرسل لها كلمته الشهيرة "لقد لمست بصوتك أحاسيس قلبي وقلوب الفرنسيين جميعا" ومنذ هذا التاريخ، ارتبط اسم مصر بأم كلثوم في أذهان الفرنسيين ويتردد صوتها في بعض مقاهي باريس الشهيرة. ولم تحاول كوكب الشرق أن تتغنى يوما بغير اللغة العربية التي أرسلتها بصوتها إلى كافة أرجاء المعمورة.
كوكب الشرق رمز عربي مؤثر في حياة الحكومات والشعوب العربية،
وعلى الرغم من شهرتها الواسعة وسفرها لكافة الأصقاع إلا أنها كانت لا تحب الظهور في وسائل الإعلام كثيرا وكذلك في الحفلات والمناسبات فمثلما وصفها الفنان هاني مهنى، الذي وقف وراءها عندما تغنت بلحن "ليلة حب" وقام بتسجيل لحن "حكم علينا الهوى" الذي لم يمهلها القدر أن تطرب به جمهورها على المسرح، بأنها ظاهرة لم تحدث ولن تتكرر، لأن المناخ العام في بنية أم كلثوم من المستحيل أن يتكرر ثانيا.
ويتذكر مهنى جلساته المتكررة معها في بداية مشواره الفني وكلمتها الشهيرة له "أن الفنان مثل الوردة النضرة الفواحة إذا اشتم عطرها كثيرا ذبلت سريعا"، وذلك تعقيبا على ظهور الفنانين المتكرر في الصحف والمجلات والتلفزيون، وكذلك في الحفلات والمناسبات.
وكانت أم كلثوم عميقة الثقافة في مجالات عدة، وعندما تتحدث نجد سيلا من المعلومات المتخصصة سواء في السياسة أو الطب، فأنا تعاملت مع فنانين كثر ولم أجد أحدا يشبه فكر أم كلثوم وعبقريتها الفطرية والفنية وانتقائها للكلمات والألحان وكيفية تقديمها للزخارف والحليات عند الغناء فعندما تستمع الست إلى لحن جديد من السنباطي على سبيل المثال "تكلثم" اللحن وتعطيه شخصية مختلفة وتضيف عليه جمالا يجعل من يستمع له في عالم آخر.
ويضيف مهنى أنها كانت تجد الوقت لسماع أعمال الفنانين والمطربين الآخرين، ولكنها كانت لا تحب أن تبدي رأيها صراحة حتى لا يؤثر على علاقتها بهم، ولكن كان أفضل صوت تحب سماعه عندما كانت تختلي بنفسها هو صوت فايزة أحمد، إضافة إلى أنها كانت تحب تسجيل الألحان بصوت السنباطي حتى تستمع لصوته فكانت تحب صوت السنباطي بعيدا عن عملهما معا خاصة أن نصف أعمالها تقريبا من تلحين السنباطي.
أم كلثوم التي ولدت بقرية طماي الزهايرة مركز السنبلاوين محافظة الدقهلية في شارع داير الناحية لوالد يعمل مؤذنا لمسجد القرية الشيخ إبراهيم البلتاجي الذي اشتهر بأدائه للتواشيح وإحياء الليالي الدينية المقامة في قريته والقرى المجاورة، والتي أخذت عنه ابنته حلاوة الصوت وإتقان القصائد والتواشيح وتنافس أخاها خالد في سرعة الحفظ، وهي في العاشرة من عمرها بدأت الغناء ضمن بطانة والدها مرتدية الكوفية والعقال والبالطو مثل أخيها حتى لا تصطدم بالتقاليد التي تمنع البنات والنساء من الغناء في ذاك الوقت.
كان صوتها وشخصيتها الملهم الرئيسي للشاعر أحمد رامي
تاريخ ميلاد أم كلثوم المثبت في الأوراق الرسمية هو 4 آيار 1904، ولكن هناك بعض المراجع ترجع تاريخ ميلادها الحقيقي إلى 20 كانون الأول 1898، ولكن سواء هذا أو ذاك لن يؤثر في تاريخ وتراث سيدة الغناء العربي التي استمع إليها الشيخ أبو العلا محمد، وبكى عندما تغنت بقصيدته "أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعا"، وأصر بعدها على تبني صوتها وإحضارها للغناء في القاهرة عام 1922، وكان له الفضل في انطلاقتها لرغم تعرف الشيخ زكريا أحمد على صوتها عام 1920 في إحدى ليالي رمضان وكان منه أن دعاها لتغني أمامه طوال شهر رمضان، وقال فيها "منذ ليلتها وأنا أصم لا أسمع إلا صوتها.. لقد أحببتها حب الفنان للحن الخالد الذي يتمنى العثور عليه".
وكان إلتقاؤها بالشاعر أحمد رامي بداية الطريق ونهايته وكونا ثنائيا فنيا خالدا. وكان صوتها وشخصيتها الملهم الرئيسي للشاعر أحمد رامي وغنت أول طقطوقة من كلمات بعنوان "قال إيه حلف ميكلمنيش" ولحنها لها الراحل محمد القصبجي.
وبالرغم من تعامل أم كلثوم أو ثومة حسب أول لقب لقبت به مع عدة ملحنين أمثال الشيخ أبو العلا محمد وأحمد صبري النجريدي إلا أن صوتها ارتبط بثلاثة أسماء منذ عام 1924 وهو تاريخ انطلاقتها الفنية في القاهرة؛ وهم الشيخ زكريا أحمد ومحمد القصبجي ورياض السنباطي حتى جاء عام 1954، والتي قامت فيه بالبحث عن ملحن جديد لتجديد دماء فنها وطلبت من "الشجاعي" المسؤول الموسيقي بالإذاعة المصرية أن يرشح لها اسم ملحن جديد لتلحين كلمات "نشيد الجلاء" وعندما رشح لها اسم محمد الموجي قامت بطلب مقابلته وأرسلت إليه ولم يصدق نفسه واعتقد أنه ارتكب خطأ ما، خاصة أنه كان في بداية مشواره الفني الذي بدأه منذ 4 سنوات فقط وكانت أم كلثوم رئيسة لجنة الاستماع بالإذاعة المصرية في ذلك الوقت.
وذهب الموجي حسب رواية ابنه "الموجي الصغير"، وهو يتصبب عرقا ووجد الشاعر أحمد رامي في استقباله مما جعله أكثر ارتباكا ولكن ما أن علم بحقيقة الأمر حتى تحمس واستمع لكلمات نشيد الجلاء من فم الشاعر وذهب وعاد باللحن الذي يعتبر أول لحن لم تضف إليه الست أو تحذف أو تغير منه.
ويذكر الموجي الصغير أن محمد الموجي يعتبر رابع ملحن تتعامل معه أم كلثوم حتى أن الصحف في هذا الوقت كتبت قصة الملحن الرابع وراء أم كلثوم، وهو أيضا مَنْ فتح الباب أمام تعامل كوكب الشرق مع ملحنين آخرين مثل الراحلين بليغ حمدي وكمال الطويل إضافة للقائها مع محمد عبد الوهاب.
"للصبر حدود" أول لقاء عاطفي بين الموجي والست...
وأخذ لقاء الموجي بأم كلثوم في بدايته الصبغة الوطنية والدينية. ومن أهم الأعمال التي لحنها الموجي للست أعمال رابعة العدوية "الرضا والنور" و "حانة الأقدار"، والتي لم تقم أيضا بالتغيير فيهما، كما لحن لها أيضا "صوت بلدنا" و "يا سلام على الأمة" حتى جاء أول لقاء عاطفي بينهما كما سماه الموجي الصغير في لحن أغنية "للصبر حدود"، والتي كانت وراءها قصة طريفة، فالموجي اشتهر باختفاءاته المتكررة، وكان قد اتفق مع الست على تلحين كلمات "للصبر حدود"، ولكنه غاب ولم تفلح محاولات كوكب الشرق في العثور عليه فما كان منها إلا أنها رفعت عليه دعوى عبر المحكمة بتقاضيه عربون الأغنية وتوقيعه للعقد منذ شهر كامل بدون أي إنجاز، ووقف الموجي أمام المحكمة، وقال للقاضي "إذا حكمت فاحكم عليَّ بالتلحين"، وقام القاضي بتأجيل الحكم وإرجاء القضية وخرج الموجي من المحكمة متجها نحو منزل الست ليجدها تستقبله ضاحكة، وتقول له ماذا أفعل فإنني فشلت في العثور عليك. وقام بتلحين الأغنية التي لاقت نجاحا لافتا في ذلك الوقت.
قدمت أم كلثوم أول أفلامها السينمائية عام 1936 باسم "وداد" من إنتاج شركة مصر للتمثيل والسينما وعرض بسينما "رويال"، ومثل مصر في مهرجان البندقية وبدأت علاقتها بالسينما منذ هذا التاريخ حتى عام 1947 حيث قدمت فيه سادس وآخر أفلامها "فاطمة". وخلال هذه الفترة قدمت "نشيد الأمل" و "دنانير" و "عايدة" و "سلامة".
تزوجت أم كلثوم من الكاتب والصحافي الراحل مصطفى أمين، وكان زواجا سريا تم إعلانه العام الماضي فقط. وكان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر هو مَنْ يحتفظ بوثيقة الزواج. كما تزوجت أيضا الملحن محمود الشريف، ولكن أشهر زيجاتها مع الدكتور حسن الحفناوي عام 1954 والتي عاشت معه حتى وفاتها في 3 شباط 1975.
ولكن على الرغم من زيجاتها هذه، إلا أن كل من عمل معها وقع في غرامها من القصبجي ورامي حتى الحكومات والدول، ليس في العالم العربي فقط، بل في دول العالم. وليس بين المحبين والعاشقين فقط، ولكن بين المنتظرين على قائمة الحب حتى يستمتعوا به في عمق صوتها.

الأربعاء، 7 مارس 2007

على سبيل السيادة
خالد صاغيّة
لم يمضِ وقت طويل على خروج الجيش السوري من لبنان. لم يمضِ وقت طويل على ارتفاع شعارات الحرية والسيادة والاستقلال. لم يمضِ وقت طويل على إجراء انتخابات نيابية «حرّة»، وعلى ولادة «حكومة الاستقلال الثاني». لم يمضِ وقت طويل على الزهو الذي توهّمه لبنانيون عديدون بأنّ قرار بلادهم أصبح بأيديهم...لم يمضِ وقت طويل على هذا كلّه. ورغم ذلك، فإنّ 60 % من اللبنانيّين يعتقدون اليوم أنّ قرار الحلّ للأزمة السياسية الحالية هو قرار خارجيّ، قرار بيد الخارج. هذا ما جاء في الاستطلاع الأخير الذي أجراه مركز بيروت للأبحاث والمعلومات (راجع «الأخبار» عدد الأمس). ومع ذلك، لا يزال المواطن اللبناني متمسّكاً بشعارات السيادة، وبولاءات متينة لزعمائه العاجزين.يذهب هذا المواطن أبعد من ذلك. فيدخل في لعبة تصنيف التدخّلات الخارجية. هذه التدخّلات التي تكفّ عن كونها خرقاً للسيادة، فتصبح عملاً صادقاً لإيجاد حلّ للأزمة. الشرط الوحيد أن يكون المتدخّل من طائفة المواطن الذي يتمّ التدخّل من أجله. هكذا يرى 60 % مـــن السنّة أنّ السعودية هي التي تعــمل بصــدق على إيجاد حلّ للأزمة، فيما يعتقد 43 % من الشيعة أنّ إيران هي التي تعمل بصدق على إيجاد حلّ للأزمة.وحدهم المسيحيّون، لدى سؤالهم عن الجهة الخارجية التي تعمل بصدق من أجل حلّ، يجيب أكثر من نصفهم «لا أعلم»... يا لِيُتْم هذه الطائفة!
عدد الاربعاء ٧ آذار

الياس نخلة
زياد الرحباني
كان رجلاً في متوسّط العمر، يساعد الأخوين رحباني في مكتبهما في حرج الكفوري ـ منطقة بدارو. وكان قد اختار في الردهة الوسيعة من الطابق، كرسياً جانبياً، ليصبح مقعده اليومي للانتظار. كان الياس نخلة ينتظر أبي وعمي أياماً، شهرياً، دون تعب، وهُمَا، كلٌ في مكتبه في الداخل. ينتظرهما دون هوادة، ببرودة لا بلادة. يعاملهما كزعيمين عربيين وربما عالميين، لا لبنانيين حصراً على الإطلاق. وفيٌّ، متأهّبٌ للخدمة. وبالانتظار، كان الياس نخلة يطالع الكثير من الصحف الموجودة في المكان. كان ينتهي من واحدةٍ، يفرك وجهه بيديه كأنه استفاق للتوّ من سباتٍ عميقٍ عجّ بالغرائب. يشعل سيجارة ويدخّن بإمعان ليتحضّر للصحيفة التالية. في هذه اللحظات فقط، كان يمكن أن أسأله عن رأيه بزعيمٍ معيّنٍ، وكانوا معدودين حينها، أو حتى عن رأيه بشخصٍ دخل المكتب على موعد، وقد عاد الياس نخلة إلى مقعده بعد أن فتح له الباب. فكان، إمّا يحبّه فيهزّ برأسه نزولاً وبتكرار، رافعاً الحاجبين للإعجاب، أو، طبعاً، لا يعجبه، فيقول، والكلمة له حصراً، أي إنها من اختراعه، بعد خبرة كل هذا القعود، فيقولها بفخرٍ وثبات: «يُفْشَلْ»!ليست «يَفْشَلْ» بالفَتْحَة ولا فَاشِلْ ولا فَشَلْ ولا من يفشَلُون، إنها «يُفْشَلْ»!! لماذا هذه الضمة فوق الياء؟ الله وحده هو العليم.إن مشروع قوى 14 آذار القويّ جداً، يا إخواني، «يُفْشَلْ»!!! أما مشاريعهم فـ: «تُفْشَلْ» وبضمّ التاء. وأنا أزيد على الياس نخلة فأوضِح أن الضمّة ليست هنا للمجهول في الإعراب ولا لأيّ فاعل مجهول، لا في المعارضة ولا في سوريا ولا أخواتها، إنّها: «يُفْشَلْ»، وليست «يُفَشّلْ». كأنه القَدَرْ وقد حَكَمْ، كأنه الخالق عزّ وجلّ قال قوله في المشروع.ـ أنا: وما رأيك بالقائد جعجع يا الياس؟ـ الياس: «يُفْشَلْ»، «يُفْشَلْ»، «يُفْشَلْ»!!!ـ أنا: ورأيك بـ«الماردة» نائلة معوّض؟ـ الياس: «تُفْشَلْ»!ـ أنا: طيّب، ووليد بك؟ـ الياس: (يتنهّد طويلاً).ـ أنا: قل لي...ـ الياس: «يُفْشَلُ» اللسانُ عن التعبير، والتأثير، و«يُفْشَلُ» التغيير.فعلاً أعزائي ما أبلغ الياس نخلة في هذه العبارة، إنه «بَيْكٌ» لا «تُفْشَلُ» عُقبَاه.عدد الاربعاء ٧ آذار

الثلاثاء، 6 مارس 2007


أريد القلم نفسه
زياد الرحباني
اخترع البشر على مرّ العصور الكثير من الجُمَل والأقوال لم يكن لهم خيار غيرها، مقوّية، تساعد في مواجهة وقع الموت، إذ لا حول أمامه ولا قوة إلاّ... ويأتي الباقي حتى... وإنّا إليه لراجعون. وليس لدينا بالفعل أبسط وأبلغ من هذه العبارات حتى الآن. فماذا تريد إذاً منّي بعد يا مخايل؟ الخسارة؟ لقد اعترفتُ لك بالخسارة وبحجمها، اعترفتُ وبصوت عالٍ وفي صحيفة وعلى إذاعة وإلا فلمَ كل هذا الحديث الآن؟ إنّه جزء من الأقوال الآنف ذكرها التي تقوّي في مواجهة الخسارة. لكن الخسارة حتى، شيء موجود يا عزيزي. الخسارة، مثل كلّ شيء على هذا الكوكب، وبحسب ماركس، يأتي ويحمل في طيّاته نقيضه، نقيضه الذي سيقضي عليه، فالخسارة هنا تحمل بذور الانتصار القادم بل هي الدافع المحرّك له، الانتصار الذي يحمل حكماً نقيضه معه، وخاصة إن أتى مجرّداً من العمل، والعمل فقط، مجرّداً من المحافظة كل لحظة عليه، بالنقل اليومي لتعليمات استمراره، من البشر الى الورق ومن الورق الى بشرٍ آخرين، من ذاكرة هذا الرأس الذي فوق الكتفين الى وسائل إعادة البث أو الإذاعة لما سبق، للماضي، للغائب وللراحل. لن يصمد انتصار إن جاء هبةً او حلّ فجأةً. إنّ الانتصار جزء من الخسارة التي هي جزء من الانتصار. لم يعرف التاريخ انتصاراً واحداً مقطوعاً من شجرة إلاّ شجرة «ثورة الأرز»، ثورة الـ24 ساعة، الصاعقة «الكذّابية»، كصنفٍ من أصناف اللوبياء، كنوعٍ من الذبحات القلبية، الكذّابية أيضاً التي لا وظيفة لها سوى ترويع الأهل والأقارب والجيران حتى يثبت أن المصاب بها واهم وهي كذّابية. على كلٍّ، دعنا من الحديث عن ثورات كهذه، عن فورات كهذه، فكلّ الناس صار فيهم خيرٌ وبركة في يومٍ كهذا، يوم جنازة الرفيق سماحة أمس.هل تعرف؟ لقد لاحظت في صورته التي اعتُمدت منذ توفّي، رأس قلمٍ يطلّ من جيب قميصه الأبيض، أزرق هو أم أسود؟ لم أستطع أن أحسم الأمر، قلمٌ كان يجب أن نسحبه منه في جميع الأحوال. لا أدري إن كان أخذه معه الى العاصمة البريطانية، ربما ما زال في مكتبه في الجريدة، أو هو في البيت. على كلٍّ، أصبحت صورته هذه هي وحدها ما سيدلّنا على هذا القلم. إنّه جميلٌ، هادئٌ في الصورة، تماماً كصاحبه، لكنّه هو هو القلم المرّ الحارق والكاوي. ليس هذا القلم نادراً وهو موجود في معظم المكتبات وربما في الـ Monoprix حتى وبكميّات، لكنّه ليس القلم الذي مرمر وحرق وكوى. أريد القلم نفسه.
عدد الاثنين ٥ آذار

الاثنين، 5 مارس 2007



عن ميشال برزغل المصور الرائد و«الاستراتيجي» «صـوّر مثلمـا تـرى عيـناك، لا تسـعَ أبـداً للتجميـل»
ميشال برزغل





مايسة عوادأن يسرق الموت ميشال برزغل يعني أن نخسر يداً برعت بالضغط على زر الكاميرا و«رفضت الضغط على زناد مسدس» كما يقول بعض مرافقي عمره. غادرنا ميشال برزغل وحيداً إلا من نزر قليل من الأصدقاء. مات وإلى جانبه علبة كبيرة، فيها أرقام هواتف عنونها بكلمة «للضرورة»، وأخرى لم يسمع أصوات أصحابها منذ زمن برغم «ضرورات المرض». شاركنا الأصدقاء ببعض من ذكرياتهم، ومن يستمع، يحز في قلبه غياب صاحب اللقطة الآسرة، والرجل الذي صمم ألا يهجر أماكن السهر والحياة الصاخبة، على الرغم من المرض القاتل الذي تسبب به أسلوب حياة عبق فيه الدخان والشراب والسهر. كانت أضواء كاميرته لا تتوقف عن اللمعان، مع علمه بتفصيل صغير، لم تكن الكاميرا تحوي فيلماً.. لم يكن ميشال يملك ترف شراء فيلم لكاميرته.. حبيبته الوفية. يتذكر نقيب المصورين جمال الصعيدي إحساس برزغل المرهف، وقربه من قضايا الناس «كان يحب أن تُظهر صوره معاناة الناس، لكن بطرق فنية وتقنية عالية جداً. كان جريئاً ويملك حساً نقدياً عالياً جدا». تشهد قصص كثيرة على ولع ميشال بالصورة. هو من أوائل الذين نزلوا إلى الشارع ليلتقطوا مشاهد للاجتياح الاسرائيلي العام 1982 «ذهب إلى صيدا واحتجز هناك مع مجموعة من المصورين، وبالطبع احتلت صوره الصفحات الأولى. بقينا نصوّر حتى بعد وصول القوات الاسرائيلية إلى بيروت» يؤكد الصعيدي. لم يقبض ميشال برزغل على «أسرار المهنة» بأسنانه يوماً، بل كان لا يبخل بنصيحة. هذا ما يستعيده الصعيدي عند الحديث عن «استراتيجية» برزغل في تصوير السياسيين مثلاً «كان يؤمن بأن كل شيء مباح للمصوّر، وان المهم هو عدم أخذ الصور في الإطار التقليدي». وغالباً ما كان يردد «صوّرهُ مثلما تراه بعينيك، لا تسعَ أبداً كي تجمّله». أما بالنسبة لرمزي حيدر، صديق العمر، فإن الشخصي لا ينفصل عن المهني. يتوقف حيدر، المصوّر في وكالة الصحافة الفرنسية ورئيس لجنة مهرجان «الصورة ذاكرة»، مطولاً عند خيارات برزغل الحاسمة. يتذكر كيف أخذ قراراً استثنائياً في حياته، لأنه كان يملك قضية يريد أن يخدمها «كان يعيش بالأشرفية مع عائلته لكنه ترك الجميع وقرر أن يعمل في جريدة «النداء»، ترك سرير بيته الدافئ لينام في الجريدة». أما المشاركة في تأسيس نقابة المصورين والصحافيين فقد كان جزءاً من قضية «لقد كان الجامع بين المصورين أثناء الحرب وما بعدها، كان دوماً يرفض فكرة النقابتين ويصر على نقابة موحدة» يؤكد الصعيدي. يتذكر حيدر كيف منح ميشال برزغل بيته لزميل تزوج حديثاً ليسكن هو.. «أوتيل فرساي». أما الكنبات المستعملة في ديكور مسرحية «شي فاشل»، التي أعطاها له زياد الرحباني، فلم تبقَ طويلاً عنده. ادعى انه ليس بحاجة إليها، ليهديها لبيت أحد زملائه المتزوجين حديثاً. تبقى أهم صفات برزغل بالنسبة إلى عارفيه انه لم يرهن نفسه لأحد، يشرح رمزي حيدر كيف «عمل في وكالة الصحافة الفرنسية براتب أعلى من أي مصور آخر، لكنه سرعان ما أخذ إجازة غير مدفوعة لمدة ثلاثة أشهر للعمل في... «السفير». انتهت الإجازة لكن ميشال لم يرد المغادرة. «حاولنا إقناعه: فكر بكبرتك، فيجيب: قضيتي هنا». يشرح رئيس قسم التصوير في «السفير» الزميل عباس سلمان ان برزغل عمل في «التصوير ومديراً لقسم التحميض والطبع. كان بارعاً جداً، وكان فنان الاسود والابيض، وهو فن يحتاج لموهبة في التحميض. أعطى صورة لها كادر خاص، أما حين كان يصور مسيرة أو تظاهرة مثلاً فلم يكن يقف مع الآخرين، بل يختار زاوية خاصة به. هو من الرعيل الأول الذي فقدته المهنة». بدوره يتذكر الزميل مصطفى جمال الدين السهرات الجميلة مع برزغل ونصائحه الذهبية «لما تصور ما تخاف وما تستحي، إذا بدك تستحي ما تصور». أما سر صوره المميزة فهو حسب جمال الدين: «كنا نصور لقطة ونغادر، لا نبقى أكثر من خمس دقائق. أما ميشال، فيبقى حتى النهاية ليلتقط صورة مختلفة».


لبنان يودع جوزيف سماحة
04/03/2007
عدد القراء : 46

تقرير خاص قناة المنار – ضياء ابو طعام /ودعت الصحافة اللبنانية العربية اليوم في بيروت جثمان الكاتب والصحافي رئيس تحرير جريدة الأخبار جوزيف سماحة في بحضور حشد كبير من وجوه السياسة والإعلام. وبعد جنّاز أقيم في مطرانية بيروت للروم الكاثوليك حضره ممثلون عن الرؤساء الثلاثة وممثل عن البطريرك الماروني، حُمل الجثمان إلى مقبرة الروم الكاثوليك في رأس النبع وسط أجواء حزينة.فعلى عادته لم يشأ جوزيف سماحة إلا أن يبقى قرب أحبته من دون أن يثقل عليهم. وبدلاً من تحميل الرفاق مشقة الطريق إلى مسقط رأسه في بلدة خنشارة العكارية، حضر الكاتب والصحافي الكبير إلى مطرانية الروم الكاثوليك في بيروت لإلقاء نظرة الوداع عليه قبل أن ينقل إلى مثواه الأخير في المقبرة الكاثوليكية في قلب العاصمة التي لطالما رأى فيها شمساً للمقاومة والعروبة. شخصيات سياسية وإعلامية ونقابية وحشد كبير من العاملين في صحيفتي السفير والأخبار جمعهم جوزيف سماحة أمام نعشه الذي لم يخشى منه يوماً. عائلة الراحل ورفاقه وممثلون عن الرؤساء الثلاثة وممثلون عن الأحزاب والتيارات السياسية وشخصيات سياسية وفكرية عربية، جلسوا للصلاة في كنيسة المطرانية على وقع الجناز الذي رعاه المطران يوسف كلاس بحضور ممثل عن البطريرك الماروني نصر الله صفير. وإذ قلد الوزير المستقيل يعقوب الصراف ممثلاً رئيس الجمهورية جثمان سماحة وسام الاستحقاق اللبناني الفضي الذي يُمنح لكبار الصحفيين، ذرف الجمع الدموع الأخيرة بحضرة فقيد الصحافة قبل أن يحمل النعش وسط التصفيق ونثر الورود على أكف الصحافيين الشباب الذين تعلموا من جوزيف سماحة معنى الصحافة الحرة.صحافة وزع رفاق سماحة نسخة منها على المعزين، فكانت المقالة بخط اليد التي افتتح بها جوزيف سماحة العدد الأول من صحيفة الأخبار معلناً إنتماء الصحيفة إلى معسكر رفض الهيمنة والحرص على الديموقراطية والتعددية، وذلك تحت عنوان: توقيت صائب.