الاثنين، 5 مارس 2007



عن ميشال برزغل المصور الرائد و«الاستراتيجي» «صـوّر مثلمـا تـرى عيـناك، لا تسـعَ أبـداً للتجميـل»
ميشال برزغل





مايسة عوادأن يسرق الموت ميشال برزغل يعني أن نخسر يداً برعت بالضغط على زر الكاميرا و«رفضت الضغط على زناد مسدس» كما يقول بعض مرافقي عمره. غادرنا ميشال برزغل وحيداً إلا من نزر قليل من الأصدقاء. مات وإلى جانبه علبة كبيرة، فيها أرقام هواتف عنونها بكلمة «للضرورة»، وأخرى لم يسمع أصوات أصحابها منذ زمن برغم «ضرورات المرض». شاركنا الأصدقاء ببعض من ذكرياتهم، ومن يستمع، يحز في قلبه غياب صاحب اللقطة الآسرة، والرجل الذي صمم ألا يهجر أماكن السهر والحياة الصاخبة، على الرغم من المرض القاتل الذي تسبب به أسلوب حياة عبق فيه الدخان والشراب والسهر. كانت أضواء كاميرته لا تتوقف عن اللمعان، مع علمه بتفصيل صغير، لم تكن الكاميرا تحوي فيلماً.. لم يكن ميشال يملك ترف شراء فيلم لكاميرته.. حبيبته الوفية. يتذكر نقيب المصورين جمال الصعيدي إحساس برزغل المرهف، وقربه من قضايا الناس «كان يحب أن تُظهر صوره معاناة الناس، لكن بطرق فنية وتقنية عالية جداً. كان جريئاً ويملك حساً نقدياً عالياً جدا». تشهد قصص كثيرة على ولع ميشال بالصورة. هو من أوائل الذين نزلوا إلى الشارع ليلتقطوا مشاهد للاجتياح الاسرائيلي العام 1982 «ذهب إلى صيدا واحتجز هناك مع مجموعة من المصورين، وبالطبع احتلت صوره الصفحات الأولى. بقينا نصوّر حتى بعد وصول القوات الاسرائيلية إلى بيروت» يؤكد الصعيدي. لم يقبض ميشال برزغل على «أسرار المهنة» بأسنانه يوماً، بل كان لا يبخل بنصيحة. هذا ما يستعيده الصعيدي عند الحديث عن «استراتيجية» برزغل في تصوير السياسيين مثلاً «كان يؤمن بأن كل شيء مباح للمصوّر، وان المهم هو عدم أخذ الصور في الإطار التقليدي». وغالباً ما كان يردد «صوّرهُ مثلما تراه بعينيك، لا تسعَ أبداً كي تجمّله». أما بالنسبة لرمزي حيدر، صديق العمر، فإن الشخصي لا ينفصل عن المهني. يتوقف حيدر، المصوّر في وكالة الصحافة الفرنسية ورئيس لجنة مهرجان «الصورة ذاكرة»، مطولاً عند خيارات برزغل الحاسمة. يتذكر كيف أخذ قراراً استثنائياً في حياته، لأنه كان يملك قضية يريد أن يخدمها «كان يعيش بالأشرفية مع عائلته لكنه ترك الجميع وقرر أن يعمل في جريدة «النداء»، ترك سرير بيته الدافئ لينام في الجريدة». أما المشاركة في تأسيس نقابة المصورين والصحافيين فقد كان جزءاً من قضية «لقد كان الجامع بين المصورين أثناء الحرب وما بعدها، كان دوماً يرفض فكرة النقابتين ويصر على نقابة موحدة» يؤكد الصعيدي. يتذكر حيدر كيف منح ميشال برزغل بيته لزميل تزوج حديثاً ليسكن هو.. «أوتيل فرساي». أما الكنبات المستعملة في ديكور مسرحية «شي فاشل»، التي أعطاها له زياد الرحباني، فلم تبقَ طويلاً عنده. ادعى انه ليس بحاجة إليها، ليهديها لبيت أحد زملائه المتزوجين حديثاً. تبقى أهم صفات برزغل بالنسبة إلى عارفيه انه لم يرهن نفسه لأحد، يشرح رمزي حيدر كيف «عمل في وكالة الصحافة الفرنسية براتب أعلى من أي مصور آخر، لكنه سرعان ما أخذ إجازة غير مدفوعة لمدة ثلاثة أشهر للعمل في... «السفير». انتهت الإجازة لكن ميشال لم يرد المغادرة. «حاولنا إقناعه: فكر بكبرتك، فيجيب: قضيتي هنا». يشرح رئيس قسم التصوير في «السفير» الزميل عباس سلمان ان برزغل عمل في «التصوير ومديراً لقسم التحميض والطبع. كان بارعاً جداً، وكان فنان الاسود والابيض، وهو فن يحتاج لموهبة في التحميض. أعطى صورة لها كادر خاص، أما حين كان يصور مسيرة أو تظاهرة مثلاً فلم يكن يقف مع الآخرين، بل يختار زاوية خاصة به. هو من الرعيل الأول الذي فقدته المهنة». بدوره يتذكر الزميل مصطفى جمال الدين السهرات الجميلة مع برزغل ونصائحه الذهبية «لما تصور ما تخاف وما تستحي، إذا بدك تستحي ما تصور». أما سر صوره المميزة فهو حسب جمال الدين: «كنا نصور لقطة ونغادر، لا نبقى أكثر من خمس دقائق. أما ميشال، فيبقى حتى النهاية ليلتقط صورة مختلفة».

ليست هناك تعليقات: